سمير أيت أرجدال"الحق في الصورة بين الخصوصية والكونية"
سمير أيت أرجدال:الحق في الصورة بين الخصوصية والكونية
- دكتور في الحقوق
- رئيس غرفة بمحكمة الاستئناف
- رئيس المركز المغربي للمعالجة لتشريعية والحكامة القضائية
إن الحراك الاجتماعي الذي نعيشه اليوم وما راكبه من تطور عميق على مستوى شبكات التواصل والتوظيف المعلوماتي، أثر بشكل كبير في المطالبة بتوسيع وعاء الحق في المعلومة، وواكبته تأثير مفرط في توظيف الصور الفوتوغرافية العادية أو الرقمية. الأمر الذي أعطى للحق في الصورة موقعا مركزيا في المنظومة القانونية والحقوقية.
وتجدر الإشارة إلى أن دراسة الموضوع ليس من باب الترف القانوني، ولكن من باب الانخراط في تحديد نطاق الحرية، ووقاية الحياة الشخصية للأفراد من الثورة المعلوماتية التي أصبحت تخترق المعطيات الشخصية. وهو ما يضفي على البحث أهمية خاصة بالنظر إلى التركيبة المعقدة للحق في الصورة، وذلك من منطلق أن محدداته تتقاطع مع مجموعة من المفاهيم مثل الخصوصية والكونية. وأن الإحاطة به تستوجب الموازنة بين مبدأ حماية الحقوق الذاتية والشخصية المنصوص عليه في الفصلين 21 و24 من الدستور ومبدأ الحق في المعلومة المشمول بمقتضيات الفصل 27من الدستور.
وبصرف النظر عن الخلاف الفقهي حول الطبيعة القانونية للحق في الصورة، فإنه في جوهره يروم حق الفرد في عدم التقاط صورته العادية أو الرقمية بدون موافقته وبثها أو نشرها أو استغلالها أو تحريفها أو تغيير ملامحها عن طريق وسائل المونتاج او استعمالها لأغراض دعائية أو إعلامية بهدف الترويج لسلعة معينة. ومن ثمة، فهو يقوم في على اعتراض الإنسان على إنتاج صورته أو نشرها بدون رضاه سواء بالطرق التقليدية أو بالتقنيات الرقمية. وهو ما يجعل الحق في الصورة حقا شخصيا بامتياز وهو الاتجاه الذي كرسته محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر بتاريخ 25_06_2008 حينما قضت بأن:
” الحق في الصورة من الحقوق الذاتية التي تدخل ضمن الحقوق الفردية الخاصة، وأن نشر الصورة يستوجب ترخيصا مسبقا لصاحبها، وأن عدم الحصول عليه من شأنه أن يمس من حرمته “.
ويختلف الحق في الصورة فيما إذا كان مرتبطا بشخص عادي أو عمومي. وذلك من منطلق أن نشر صور الشخصيات العمومية وكشف حقائقهم وتقييم سلوكياتهم يدخل في نطاق الرقابة الشعبية القائمة على يقظة المواطنين والإعلاميين والصحفيين المعنيين بالشؤون العامة والحريصين على متابعة جوانبها السلبية وتقرير موقفهم منها، دون أن يرقى ذلك إلى مستوى المبالغة والتجريح الشخصي والرغبة العمدية في التشهير. وهو الرأي الذي انتصرت إليه محكمة النقض الفرنسية والمحكمة الدستورية المصرية في عدة قرارات والتي انتهت في مضمونها إلى أنه يستثنى من المسؤولية في نطاق الحق في الصورة الحالة التي يتم فيها التقاط الصور بموافقة صاحبها أو التقاطها أو نشرها بمناسبة حوادث عامة، أو متى ارتبطت بشخصيات عمومية أو لهم الصفة الرسمية، أو تم التقاطها حماية للأمن العام.
في هذا السياق، أكد القضاء الفرنسي في قضية عارضة الأزياء نعومي كامبل ضد دايلي ميرو بأن رضا الشخص الصريح أو الضمني بالتقاط الصورة لا يعني بالضرورة رضاه بنشرها او استغلالها واستعمالها، على أساس ان الحق في الصورة هو من الحقوق اللصيقة بالشخصية، وأن الصورة عنصر من العناصر التعريفية لشخصية الإنسان. وبالتالي فإن الأصل في نشر صور الأشخاص العاديين أنه غير جائز من الناحية القانونية لتعلقه بالحياة الخاصة للأفراد كمظهر من مظاهر الحقوق الفردية التي يتعين احترامها وفق المحددات الدستورية والمواثيق الدولية والنصوص القانونية ذات الصلة.
وغني عن البيان أن المشرع المغربي وعيا منه بوجوب حماية الحق في الصورة، فإنه نص صراحة في الفصل 51 مكرر من قانون الصحافة على أنه يعاقب بحبس تتراوح مدته من شهر واحد وستة أشهر وبغرامة يتراوح قدرها بين 5000 و20000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من نشر ادعاءات أو وقائع او صور تمس بالحياة الخاصة للغير.
ووعيا من المشرع بالإقبال الكبير على استعمال الانترنيت وباقي وسائل الاتصال الحديثة، ومدى تأثيرها على سهولة التسلل إلى المعلومات الخاصة بالأفراد والاعتداء عليها، فإنه اعتبر الصورة من المعطيات ذات الطابع الشخصي التي تمكن من معرفة “الشخص المعني ” بأي شكل من اشكال إتاحة المعلومة. وأحاطها بحماية القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي. على خلاف ما قررته اللجنة الوطنية للمعلوميات والحريات بفرنسا التي اعتبرت ان الصورة لا تخضع لأحكام المعطيات الشخصية إلا إذا كانت رقمية.
وفي سبيل تكريس الحماية القانونية للحق في الصورة، فإن النظام القانوني المغربي يتيح للمتضرر مجموعة من الوسائل والآليات التي تسمح بوقف الاعتداء على صورته والمطالبة بجبر الضرر اللاحق به. وهو ما يمكن ملامسته إما من خلال المطالبة بالإجراءات الوقائية أو من خلال تحريك الدعوى العمومية أو المطالبة بالتعويض في نطاق المسؤولية المدنية.
1.بالنسبة للإجراءات الوقتية:
يجوز لكل شخص ذاتي نشرت صورته بدون إذنه بشكل أساء لحرمته ولحقوقه الذاتية، أن يتعرض سواء أمام قاضي المستعجلات أو قاضي الموضوع أو أمام اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي على استعمال صورته الشخصية. وذلك بغية استصدار مقرر قضائي أو إداري لوقف الاعتداء على الحق في الصورة وذلك طبقا لمقتضيات المادة 9 من القانون 09.08.
وفي ذات السياق، وتزامنا مع بعض الملاحقات التي دأبت عليها بعض الجهات الحكومية في حق موظفيها وقضاتها بمناسبة نشر صور ومصنفات ومعطيات ومقالات ذات طابع شخصي في مواقع فيسبوكيةخاصة، فإنه من الواجب تذكيرها بأن ذلك يشكل خرقا خطيرا للحق في الإخبار عند تجميع المعطيات والحق في الولوج إلى الدعامةالإلكترونية الخاصة بمستعملي المواقع الفيسبوكيةوالإلكترونية،خاصة في حالات غياب إشعار اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي بالمعالجات المزمع القيام بها وطلب الترخيص منها إذا كانت المعالجة ترتبط بالمخالفات أو أحكام القضاء أو التدابير الأمنية، وذلك تنفيذا لأحكام القانون 09.08.
وفي ذات السياق، وتزامنا مع بعض الملاحقات التي دأبت عليها بعض الجهات الحكومية في حق موظفيها وقضاتها بمناسبة نشر صور ومصنفات ومعطيات ومقالات ذات طابع شخصي في مواقع فيسبوكيةخاصة، فإنه من الواجب تذكيرها بأن ذلك يشكل خرقا خطيرا للحق في الإخبار عند تجميع المعطيات والحق في الولوج إلى الدعامةالإلكترونية الخاصة بمستعملي المواقع الفيسبوكيةوالإلكترونية،خاصة في حالات غياب إشعار اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي بالمعالجات المزمع القيام بها وطلب الترخيص منها إذا كانت المعالجة ترتبط بالمخالفات أو أحكام القضاء أو التدابير الأمنية، وذلك تنفيذا لأحكام القانون 09.08.
2.الحماية الجنائية والمدنية للحق في الصورة:
يحق لكل شخص نشرت صورته بغير إذنه بشكل أساء بحياته وبسمعته أن يتقدم بشكاية في الموضوع امام النيابة العامة المختصة إعمالا لمقتضيات الفصل 51 مكرر من قانون الصحافة المغربي. وهو الاتجاه الذي كرسته بعض التشريعات المقارنة كما هو الشأن بالنسبة للمادة 226 من ق ج الفرنسي والمادة 309 من ق ج المصري. وفي حالة قيام العناصر التكوينية للجريمة، فإنه تتم متابعة الجاني وإدانته من أجل نشر صور تمس بالحياة الخاصة للغير. وفي هذه الحالة يجوز للمتضرر ان يتقدم بمطالبه المدنية للبت فيها إلى جانب الدعوى العمومية. وله أن يتقدم بصفة مستقلة بطلب التعويض المستحق عن الضرر بشقيه المادي والمعنوي الذي لحق به من جراء الخطأ التقصيري الموجب للمسؤولية المدنية في إطار القواعد العامة المنصوص عليها في الفصلين 77 و78 من ق ل ع. وهو الاتجاه الذي كرسته محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في قرارها الصادر بتاريخ 26_06_2013 والذي جاء فيه أن استعمال الصورة –كمصنف شخصي- لأحد خريجي المدرسة في لوحة دعائية وإشهارية بدون إذنه لجلب طلاب آخرين للالتحاق بمؤسستها يشكل خطا موجبا للتعويض المادي والمعنوي إعمالا لمقتضيات الفصلين 67 و78 من ق ل ع. وهو نفس الاتجاه الذي كرسه القضاء الفرنسي في قضية تشي كيفارا والتي بموجبها تمت إدانة شركة سميرنوف المتخصصة في صناعة الخمور بمناسبة استعمالها صورة شي غيفارا على قارورة منتوج كحولي والحكم بتغريمها لفائدة ورثة كوردا بغرامة مالية قدرها 50000 أورو و بمنع ترويج البضاعة.
ومما تجدر الإشارة إليه أن الحق في الإخبار لاستعمال الصورة ترد عليه مجموعة من الاستثناءات منها ما يتعلق بالنشر الذي تمليه ضرورات الأمن الداخلي والخارجي أو الوقاية من الأفعال الجرمية، ومنها ما يرتبط بحالات تعذر إخبار الشخص المعني ولا سيما في حالة النشر لأغراض إحصائية أو تاريخية أو علمية أو فنية، ومنها ما يتعلق باستعمال الصورة دون إذن صاحبها بهدف خدمة مسطرة قضائية أو إدارية حسبما تنص عليه المادتين 15 و18 من القانون 2.00 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة وهي في مجملها استثناءات تجعلنا نؤكد بأن فعالية الحماية القانونية للصورة خاصة في ظل التوظيف الإعلامي الكبير للصورة يقتضي وجوبا تحمل السلطة القضائية لمسؤوليتها الدستورية في التطبيق العادل للقانون على نحو تقر بمقتضاه التوازن بين حماية الحق في الصورة كمظهر من مظاهر الحقوق الشخصية الأساسية، والحق في المعلومة كحق من الحقوق الدستورية والكونية.