الاستثمار ومحفزات تشجيعه في القانون اليمني والمغربي
رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص
من إعداد : تحت إشراف ا لدكتور:
ابراهيم المؤيد أسامة عبد الرحمان
لجنة المنافشة
الدكتور...................................................................................................................................رئيسا
الدكتور ......................................................................................................................... عضوا
الدكتور....................................................................................................................................عضوا
السنة الجامعية 2006 - 2007
مقدمة
برزت عدة دوافع في عملية تشجيع الاستثمار،اجتمعت فيها كل من المعطيات الدولية المحكومة باعتبارات العولمة الاقتصادية والضغوطات المتزايد للمؤسسات المالية والنقدية الدولية، والمتطلبات الداخلية من جهة أخرى، مما أدى إلى تأكيد خيار سياسة التشجيع لجذب أكبر قدر ممكن من الاستثمارات الوطنية والأجنبية، من أجل النهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية التي باتت تحتل الصدارة في سياسة أغلب الدول السائرة في طريق النمو، التي تسعى لزيادة حجم الاستثمار للنهوض بمعدلات التنمية، بالقدر الذي يقلل من عمق الهوة التي تفصل بينها وبين الدول الأكثر نموا.
إن تبني الدول هذه السياسة ظهر عقب تفاقم الأزمات المالية والاقتصادية بسبب زيارة الديون الخارجية، نتيجة اعتمادها سياسة القروض لتمويل المشاريع، مما أدى إلى ظهور مشاكل اجتماعية اقتصادية كبيرة، تتمثل في تدهور اقتصادياتها الوطنية، والذي ترتب عنه ضعف القوة الشرائية للنقود، وارتفاع سعر الفائدة، وتفشى ظاهرة البطالة، والأمية، ويعود هذا الأمر إلى أن الدولة كانت إلى وقت قريب المحرك الرئيسي للنشاط الاقتصادي، مما جعلها في الوقت الحاضر ملزمة بنهج سياسة ليبرالية منفتحة مما ترتب عنه اقتصار دورها على التنظيم والضبط من أجل الرفع من مستوى الخدمات العمومية ومساندة الاستثمار، الذي يعتبر محرك عملية التنمية، وذلك من خلال دخولها بسلسلة إصلاحات اقتصادية ومالية وإدارية.
من هذا المنطلق هدفت غالبية دوال العالم الثالث إلى إتباع سلسلة إصلاحات اقتصادية وهيكلية، تسعى من خلالها إلى تجاوز المشاكل الاقتصادية والمالية والاجتماعية، التي تعاني منها سعيا إلى تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية، واليمن شأنه شأن العديد من الدول دخل في سلسلة إصلاحات فعلى الصعيد التشريعي أصدر مجموعة من القوانين همت قطاع المال والأعمال كالقانون التجاري، قانون الشركات، القانون البنكي، قانون الاستثمار، قانون التجارة الإلكترونية قانون التحكيم، قانون المحاكم التجارية.
وعلى الصعيد السياسي انفتح على الحريات السياسية، وأنشأ منظمات المجتمع المدني، وعمل على محاربة الفساد والرشوة، وأنشأ جمعيات حماية المستهلك وعلى المحيط الاقتصادي الدولي قبل عضوا مراقبا في منظمة التجارة العالمية تمهيدا لانضمامه إليها، ووقع عدد من اتفاقيات التبادل الحر من ضمنها الاتفاقية الموقعة مع الصين في أبريل 2006، وعلى المستوى الإقليمي وبحكم موقعه على مضيق باب المندب إحدى الممرات الدولية، وبملتقى القارتين الأسيوية والإفريقية، دخل بتكتلات اقتصادية مع دول الجوار( السودان، إيثوبيا، الصومال)، كما يسعى للانضمام الكلى لمجلس التعاون الخليجي، من خلال مؤتمر المانحين الذي عقد في لندن ( 15-16 نونبر 2006)، الذي هدف إلى دعم التنمية، وتأهيل الاقتصاد اليمني، ليواكب التطورات الاقتصادية التي تشهدها دول الخليج.
يعتبر المغرب من الدول التي واكبت التحول العالمي، وسايرت إيقاعه السريع بعقلية جديدة من خلال استضافته مؤتمر منظمة التجارة العالمية، ودخل في اتفاقية الشراكة مع المجموعة الأوربية، وعدل دستوره ليشجع على المبادرة الفردية ( الفصل 15 من الدستور)، وأحدث نظام الجهوية، كما يعد من الدول السباقة التي شرعت في تنفيذ سلسلة إصلاحات هيكلية واقتصادية، تمثلت في تحرير تدخل الدولة في المجال الاقتصادي من خلال انتهاج الخوصصة، وتشجيع الاستثمارات الخاصة، وقد كرس هذا النهج الترسانة القانونية التي طالت عالم المال، والأعمال المتمثلة في القانون التجاري، قانون الشركات، قانون بورصة القيم، القانون البنكي، قانون حرية الأسعار والمنافسة قانون المحاكم التجارية، مدونة الشغل، قانون الاستثمار.
هذه السلسلة من الإصلاحات الهيكلية، والانفتاح على الاقتصاد العالمي الذي شهده كل من اليمن والمغرب، ينبني على جملة من التدابير الإستراتيجية من أهمها تشجيع المبادرة الخاصة، وحرية المنافسة، وتخفيض النفقات العامة، والتقليص من الاستثمارات العمومية، وتحرير التجارة الخارجية عن طريق التفكيك التدريجي للحواجز الجمركية، وهذا التوجه يذهب إلى أن التنمية مسؤولية كل الفاعلين في المجتمع دوله وقطاعا خاصا، بل أصبح القطاع الخاص في عالم اليوم يضطلع بدور مهم في النشاط الاقتصادي، وفي الإسهام في المسيرة التنموية.
فمسألة التنمية أصبحت ترتبط بشكل وثيق بأهمية الاستثمار، وبنيته، وفاعليته، وهذا الارتباط عرف تغييرات كبيرة أمام متطلبات التنمية المتزايدة خاصة بعد الثورة التكنولوجية والعلمية التي شهدها العالم، فمفهوم الاستثمار قد تطور، حيث انتقل من مجرد كونه إيداعا ماليا إلى مفهوم يعتبر الاستثمار تخصيص الموارد من أجل إنعاش النمو، وزيادة الإنتاج.
والاستثمار سواء كان وطنيا أو أجنبيا، خاصا أو عمومي، مباشرة، أو غير مباشر، أصبح شرطا ضروريا لتنمية المجتمعات، بفضل ما يضطلع به من دور في تنمية الإستراتيجية، هذه المجالات على الرغم من تعددها وتنوعها فإن تركيز الاستثمار في القطاعات المنتجة فيها يشكل ثمرة حقيقية للتنمية الاقتصادية، التي هي عملية تراكمية وتحتية تتطلب استغلال كل الإمكانيات وجميع القرارات الذاتية والموضوعية، من خلال توفر عوامل الإنتاج والعناصر الاقتصادية، وجمع رؤوس الأموال، وتنظيم العمل، ودعم تنافسية المقاولة، فضلا عن ضرورة توظيف الإجراءات والكفاءات والأيدي العاملة.
إن الاستثمار من خلال المعطيات التي بيناها، أصبح في الوقت الحاضر الأداة الناجعة لحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، التي تعاني منها جل المجتمعات باعتباره يضطلع بدور اقتصادي ومالي، يسهم بشكل كبير في زيادة ميزان المدفوعات والنشاط التجاري للدول، كما أنه يقوم بدور اجتماعي يتمثل في توفير عدد كبير من مناصب الشغل للحد من معضلات البطالة التي تعاني منها كل الدول، فهو إضافة إلى ذلك يسمح بنقل التكنولوجيا، والمعرفة الفنية، والوسائل الحديثة للإنتاج من الدول المتقدمة إلى الدول النامية.
وتحقيق هذه الأهداف أساسا يعود إلى زيادة حجم الاستثمارات التي تختلف من بلد إلى آخر، فكلما زادت الاستثمارات في بلد كلما حقق أهداف تنموية واقتصادية، تساهم في الرفع من معدل النمو الاقتصادي والمالي.
يعد تحقيق الاستثمار هذه الأهداف قرينا بمدى توفر الحماية الموضوعية والإجرائية، فالمستثمر قبل كل شيء يبحث عن الربح، ويبتعد على الخسارة، لهذا فهو يتطلع إلى مناخ استثماري يشجعه ويحمي أمواله، من هذا المنطلق سعت جل الدول إلى العمل على توفير مناخ استثماري ملائم لتشجيع الاستثمارات وحمايتها، انصبت في الأساس على انتهاج سياسة تحفيزية وتشجيعية وحمائية، وكانت قوانين الاستثمار الوسيلة لذلك، والسياسة التشجيعية التي انتهجها قوانين الاستثمار اشتملت على مجموعة من المحفزات كان أساسها المحفزات الجبائية والجمركية أي كرست المحفزات في بداية الأمر على المنظور المالي الذي يسعى من وراء المستثمر إلى تحقيق الربح، إضافة إلى ضمان تحويل رؤوس الأموال والعائدات التي تحققها المشاريع الاستثمارية من التأميم أو المصادرة، إضافة إلى إنشاء أجهزة إدارية تعني وتسهر على تقديم المساعدة والخدمات للمستثمرين، وجملة هذه العوامل لم تعد في العصر إلى الحالي الوحيد لجذب الاستثمار، بل ظهرت عوامل أخرى تتضافر مهما، وهي لا تقل شأنا عنها إلا وهي وجود ضمانات قضائية تعمل على تسوية المنازعات الاستثمارية.>
المبحث الأول: مفهوم الاستثمار وأنواعه:
العدالة بهذا أصبحت ملزمة في الوقت الحاضر بدور رئيس بالحركة التنموية والاقتصادية كمحفز لتشجيع الاستثمار باعتباره الآلة الوحيدة التي تسعى إلى حل المنازعات الناتجة عن الاستثمار، والتي يتعرض لها المستثمر أثناء نشاطه الاستثماري.
جملة هذه المحفزات التي تناولتها قوانين الاستثمار تبين مدى حدة المنافسة بين الدول النامية التي تسعى كل منها إلى توفير مناخ أكثر ملاءمة لجذب الاستثمارات وبالأخص الأجنبية، من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية، هذا الهدف الذي أصبح الاستثمار هو المعول عليه لتحقيقه.
يتبين مما سبق طرحه أن هذا الموضوع يطرح العديد من الإشكاليات تتمحور حول مفهوم الاستثمار ومجالاته، وآثاره السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومدى نجاعة المحفزات المنصوص عليها قوانين الاستثمار لجذب الاستثمارات، وجعله يحقق الأهداف التي سطرتها الدولة في برامجها الاقتصادية والتنموية وسوف نحاول الإجابة عن هذه التساؤلات من خلال التقسيم التالي:
الفصل الأول: الاستثمار ودوره في التنمية الاقتصادية.
الفصل الثاني: آليات تشجيع الاستثمار.
الفصل الأول
الفصل الأول
الاستثمار ودوره في التنمية الاقتصادية
يشكلالاستثمار تقنية اقتصادية في الدول النامية بعد أن استفحلت الأزمات المالية والاقتصادية بها، بسبب اعتمادها الآليات التقليدية لتمويل مشاريعها المتمثلة في سياسة القروض، وضعف الاستثمارات الخاصة نتيجة تدخل الدولة في كافة أوجه النشاط الاقتصادي، مما أدى بالدول وخاصة النامية منها إلى إتباع إجراءات إصلاحية هادفة إلى تشجيع الاستثمار، واعتباره أحد الأدوات المهمة التي تتحقق من خلالها التنمية الاقتصادية، والتي أصبحت هدف جل الدول وغايتها إذ لا تنمية بدون استثمار.
يعتبر الاستثمار في العصر الحاضر شرطا ضروريا للنماء، ولكن ذلك رهين بمدى توجهه في القطاعات والمجالات التي تملك القدرة على التأثير في ميكانيزمات التنمية بشكل تتضاعف معه معدلات النمو الاقتصادي.
لم يعد ينظر إلى الظاهرة الاستثمارية ذالك المنظور المبني على انتقال رؤوس أموال أجنبية، وتعبئة الادخارات الاستثمارية، بل أصبح ينظر إليها أداة فاعلة تعمل على حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها هذا المجتمع أو ذاك، والمتمثلة في زيادة ميزان المدفوعات، والحد من معضلات البطالة، من أجل بلورة حقيقية للتنمية الشاملة.
ونظرا لأهمية دراسة هذا الموضوع فإنني سأقوم بتقسيمه إلى مبحثين:
المبحث الأول: الاستثمار: أنواعه ومجالاته
المبحث الثاني: دور الاستثمار في التنمية الاقتصادية.
المبحث الأول: مفهوم الاستثمار وأنواعه:
يقوم الاستثمار بالأساس على تحويل موارد مالية موجهة إلى تنمية القدرة الإنتاجية للاقتصاد، ومفهوم الاستثمار عرف مصطلحا ومعاملة انتشارا واسعا خلال العقود الأخيرة، مما جعل هذه الكلمة تسيطر على المعاملات التجارية سواء الوطنية أو الدولية، كما ازداد توسعا مع ظهور العولمة، وزيادة المبادلات التجارية، وظهور التكتلات الدولية، ومناطق التبادل الحر، والاتحادات الجمركية، والتي تسمح بانتقال رؤوس الأموال والمبادلات التجارية دون حواجز جمركية، مما يساعد على الانتشار الواسع للشركات عابرة القارات ومتعددة الجنسيات، تساعد على نقل التكنولوجية، والخبرات الفنية، والوسائل الحديثة من الدول المتقدمة إلى الدول النامية.
انفتح الاستثمار في الدول النامية بشكل كبير على الاستثمارات الوطنية والأجنبية في شتى مجالاتها، من أجل تحقيق نهضة تنموية واقتصادية شاملة، بشكل يسمح لها بضمان حصاد مردودات مالية واقتصادية، إذ انصبت الاستثمارات في الأساس على المشاريع المنتجة. هذا الموضوع سنتناوله على النحو التالي:
المطلب أول: مفهوم الاستثمار
المطلب ثاني: أنواع الاستثمار ومجالاته
المطلب الأول: مفهوم الاستثمار:
إن تحديد مفهوم الاستثمار ليس بالأمر الهين والسهل، فهذا المصطلح عرف انتشارا واسعا خلال العقود الأخيرة، مما جعل هذه الكلمة تسيطر على المعاملات التجارية سواء على المستوى الدولي أو الوطني، الأمر الذي أدى إلى ظهور تعاريف عدة لهذا المصطلح في الحقلين الاقتصادي والقانوني، وقبل ذلك في الحقل اللغوي.
الاستثمار في اللغة له معان ودلالات عديدة فهو "مصدر للفعل استثمر الدال على الطلب، أي أن الاستثمار هو استخدام المال وتشغيله بقصد تحقيق ثمرة هذا الاستخدام، فيكثر المال وينمو على مدى الزمن"([1]).
كما تعني كلمة استثمار «اسم من فعل استثمر"، وهذا يعني طلب الثمار، وحسب معجم الرائد استثمر المال أو نحوه، جعله يثمر([2]).
أما اصطلاحا فله تعاريف من الوجهة الاقتصادية (فقرة أولى)، وتعاريف من الوجهة القانونية (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: المفهوم الاقتصادي للاستثمار:
الاستثمار مفهوما اقتصاديا معناه «اكتساب وسائل الإنتاج وبالتوسع اكتساب رأسمال بهدف الحصول على دخل، وفي قول مألوف توظيف قيم منقولة.
وبالمعنى الدقيق للكلمة: فهو استعمال للدخل يترجم بزيادة في ثروة وسائل التجهيز يحدد تكوين الرأسمال ويوجهه للإنتاج وبهذا يناقض الاستهلاك الذي يهدف إلى إشباع الحاجات بإبادة الأموال والخدمات([3]).
جاء في الموسوعة الاقتصادية بأن الاستثمار هو «مصروف يقوم به رب العمل كي يحفظ أو يطور جهاز إنتاجه الذي يعبر عن انتقال الرأسمال النقدي إلى رأسمال منتج»([4]).
كما عرف الاستثمار من الوجهة الاقتصادية بأنه «أحد عمليات استغلال لرأس المال بهدف تحقيق فائض مالي، أو بأنه تكوين لرأس المال واستخدامه بهدف تحقيق الربح في الأجل القريب أو البعيد بشكل مباشر أو غير مباشر»([5]).
وقد عرفه الاقتصادي المغربي عزيز بلال بأنه «وسيلة للتجهيز لمدة تزيد عن السنة والمخصصة لإنتاج أموال أخرى». وكذلك عرفه فتح الله ولعلو الاستثمار بأنه" العملية الاقتصادية القاضية بشراء مواد إنتاج، وبعبارة أخرى تكوين رؤوس أموال"([6])
الفقرة الثانية: المفهوم القانوني للاستثمار:
يتميز المفهوم القانوني للاستثمار بالتعددية نظرا لتعدد المصادر القانونية، من مصادر دولية ووطنية، وفيما يلي بيان هذا المفهوم في الاتفاقيات الدولية والثنائيةjوالقوانين الداخلية k والفقه القانونيl.
1) الاستثمار وفق الاتفاقيات الدولية والثنائية:
نهجت الاتفاقيات الجماعية، التي أبرمت في حقل الاستثمار، سبلا مختلفة في تعريف الاستثمار، حيث عرفته الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية الموقعة في تونس سنة 1982 بأنه «استخدام رأس المال العربي في أحد مجالات التنمية الاقتصادية بهدف تحقيق عائد في إقليم دولة طرف في الاتفاقية غير دولة جنسية أو تحويلها إليها وفقا لأحكام هذه الاتفاقية».
كما عرفته الاتفاقية الثنائية لتشجيع الاستثمار وحمايته والتي أبرمت بين حكومة
جمهورية مصر وحكومة المملكة المغربية، الموقعة في الرباط بتاريخ 14 مايو 1997 وذلك في مادتها الأولى: الاستثمار" يعني كل أنواع الأصول التي يمتلكها أحد المستثمرين أي من الطرفين ويستثمر في إقليم الطرف الآخر وفقا للقوانين والأنظمة المعمول بها في كل منهما وعلى وجه الخصوص :
أ- الأملاك العقارية والمنقولة وكذا حقوق الملكية الأخرى مثل الرهون العقارية وحقوق الامتياز والرهون الأخرى.
ب- الأسهم والسندات وكل أشكال المساهمات في الشركات.
ج- الاستحقاقات النقدية أو أية حقوق تعاقدية ذات قيمة مالية
د- حقوق الملكية الصناعية والفكرية وتشمل حقوق النشر وبراءات الاختراع والعلامات والتصاميم الصناعية والعلامات التجارية وأية حقوق أخرى مماثلة"
مما سبق يتضح أن الاتفاقيات الثنائية أو الجماعية تميل إلى التوسع في مفهوم الاستثمار، حيث لا تقتصر على الاستثمارات النقدية أو المادية أو المعنوية، بل يتعدى ذلك ليشمل كل إسهام في مشروع عن طريق تقديم أصول فيه، سواء أكانت هذه الأصول مادية ملموسة أم لم تكن كذلك، كالحقوق التعاقدية، وبراءة الاختراع كما لا تتجه هذه الاتفاقيات إلى تبني أي تعريف جامع للاستثمار.
2) مفهوم الاستثمار في القوانين الداخلية:
لم يأت كل من المشرع اليمني والمغربي بتعريف للاستثمار سواء الوطني أو الأجنبي، فالمشرع اليمني أوضح بيان صورة المال المستثمر في المادة الثانية([7])الفقرة (17) إذ «يقصد بالمال المستثمر في نص هذا القانون، القيمة المقدرة بالمال الأجنبي أو المحلي في المشروع». وحسنا فعل المشرع اليمني والمغربي بعدم إيراد تعريف للاستثمار، وذلك بأن التعريف ليس من مهام المشرع.
3) مفهوم الاستثمار في الفقه القانوني:
يرى كنز:" أن الاستثمار هو زيادة في المعدات الرأسمالية حيث إن هذه الزيادة تحمل على رأس المال الثابت ورأس المال الدائر ورأس المال السائل".
كما يعرفه باحث آخر بأنه التوظيف المنتج لرأس المال من خلال توجيه المدخرات نحو استخدامات تؤدي إلى إنتاج أو خدمات تشبع الحاجات الاقتصادية للمجتمع وزيادة رفاهيته([8]).
من خلال ما تقدم، يتضح بأن هذه التعريفات تركز على الهدف من الاستثمار وهو تحقيق الربح، وبالتالي لم تأت بتعريف جامع مانع لعملية الاستثمار، بحيث تستشف منه عناصر هذه العملية، وأركانها.
يتضح من خلال هذه الرؤية أن الاستثمار يشتمل على عناصر عديدة تتمثل بالأساس ضرورة وجود- رأس مال-، ووضع رأس المال في المشاريع الإنتاجية والخدمية ولن يتم ذلك إلا من خلال تعبئة الادخارات الوطنية التي تشكل رؤوس الأموال الوطنية أو قروض خارجية أو داخلية بالنسبة للاستثمار العمومي، أو الاستعانة برؤوس الأموال الأجنبية لتوظيفها في المشاريع الإنتاجية، ويتم ذلك من خلال توجيه الأموال الوطنية والأجنبية للاستثمار في المشاريع المنتجة التي تعود بفائدة كبيرة على الفرد والمجتمع، عن طريق زيادة ميزان المدفوعات، وتشغيل أكبر يد عاملة.
بهذا يمكن القول بأن الاستثمار عملية مركبة تجمع بين عناصر قانونية واقتصادية واجتماعية في آن واحد، فهو يؤدي إلى تجديد الطاقات الإنتاجية، ويوسع الجهاز الإنتاجي في مختلف القطاعات الإنتاجية وفروعها، وبفضل هذا الهيكل الإنتاجي الجديد يقع تشغيل العمال، وتنشأ علاقة اجتماعية تتدفق عبرها الدخول، ويحدث بينها انتقال للموارد الاقتصادية المختلفة([9]).
المطلب الثاني: أنواع الاستثمار ومجالاته:
تسعى جل الدول إلى توفير مناخ ملائم لجلب الاستثمارات بنوعيها الوطنية والأجنبية (فقرة أولى) ويعتبر هذا من العوامل المحركة للاقتصاد، بالنظر إلى إمكانيته في تكوين الرأسمال والتشغيل والإنتاج. فهو مسلسل قد ترتكز عليه بعض الدول لبلوغ التنمية الاقتصادية والاجتماعية. إذ وظفت هذا المسلسل في مجالات استثمارية منتجة "فقرة ثانية".
الفقرة الأولى: أنواع الاستثمار:
يكون الاستثمار إما وطنيا "أولا": وهو المتكون من راس المال المحلي سواء الذي تقوم به الدولة، ويسمى الاستثمار العمومي، أو الذي يقوم به القطاع الخاص، وهو ما يسمى بالاستثمار الخاص. وأما أجنبيا "ثانيا": وهو الذي يتكون من راس مال أجنبي.
أولا: الاستثمار الوطني:
يشكل الاستثمار أحد المنعطفات الهامة في تنشيط الحركة التجارية وتقوية ميزان المدفوعات، وقد كانت الدولة إلى وقت قريب هي المحرك الأساس للاقتصاد الوطني عن طريق الاستثمار العمومي (أ) إلا أنه مع غمار التحولات التي شهدها العالم، وما صاحب ذلك من تغيرات سوسو اقتصادية، أصبح القطاع الخاص (ب) هو المرتكز الأساسي للاقتصاد الوطني.
أ- الاستثمار العمومي:
عرف دور الدولة تطورا ملحوظا من الدولة الكلاسيكية ذات المفهوم المحايد الاستهلاكي إلى الدولة الحديثة عن طريق تطور الاستثمار العمومي في الميدان الاقتصادي والخدمي والاجتماعي، وبهذا الدور يكون القطاع العام قد شهد توسعا كبيرا لكونه يعبر عن إحدى الرموز الكبرى للسيادة الاقتصادية للدولة، وبما أن التقدم الاقتصادي كان يمر عبر سيطرة الدولة على مختلف الفاعلين في الاقتصاد الوطني، فإن هذا الدور يبدو شرطا أساسيا لبناء قواعد متينة لاقتصاد كان ما يزال هشا، لهذا كانت الدولة المستثمر هي التي تغذي القطاعات الحيوية الإستراتيجية([10]).
والدولة بهذا كانت موجودة وحدة اقتصادية رئيسة لدعم الاقتصاد، وتوجيه التنمية خاصة أمام ضعف الرأسمال الوطني، وعدم قدرة البورجوازية الوطنية في بداية الأمر على ممارسة أنشطة اقتصادية، إضافة إلى ضعف الميل إلى الاستثمار، وغياب روح المبادرة لديها.
هذه الوضعية المترتبة عن احتفاظ الدولة بممارسة النشاط الاقتصادي أدت إلى ظهور أزمات مالية ترتبت عنها زيادة في المديونات الخارجية، وتراجع الإنفاق العام، ومعه الاستثمار العمومي([11]). كما ازداد تراجعه في النشاط الاقتصادي في إطار العولمة، وزيادة المبادلات التجارية، مما ترتب عنه تخلي الدولة عن مؤسساتها العمومية لصالح الخواص، وأصبحت ترفع يدها عن الاستثمار العمومي والتدخل المباشر في الاقتصاد، وأصبح دورها مقتصرا على توفير الظروف والمجال الملائم الذي يسمح بالمنافسة الحرة([12]).
لقد تقلص بالمغرب دور الدولة في النشاط الاقتصادي المنتج، وهو ما طبع الحياة الاقتصادية بالمغرب خلال العقدين، بعد أن ظلت الدولة، من بداية الستينات إلى منتصف السبعينات تقوم بالدور الرئيسي في تحريك النشاط الاقتصادي معتمدة على القطاع العام، بينما لم يكن القطاع الخاص متوفرا على المؤهلات الكافية ليكمل هذا الدور في التنمية الاقتصادية، فخلال هذه الفترة تميز تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية باعتماد الاستثمار العمومي المباشر قائدا لمجموعة الاستثمارات الإنمائية للقطاع العام والخاص، وإلى غاية 1981 ظلت الدولة والقطاع العام في المشروعات الاستثمارية المنتجة تمثل 52%، ثم انخفضت هذه الحصة لتصل إلى 32% سنة 1990 بينما لم تزد حصة الاستثمارات العمومية في القطاع الصناعي عن متوسط 8.5%من مجموع الاستثمارات الصناعية خلال السنوات الخمس الأخيرة[13]، وأصبح دور الدولة حاليا والقطاع العام في جل الحالات يتمحور حول إرساء الإصلاحات الاقتصادية والمالية، ووضع البنية الأساسية للتنمية، وتهيئة المناخ المناسب للاستثمار، ودعم مبادرة القطاع الخاص.
إن تراجع دور الدولة في النشاط الاقتصادي لا يعني تخليها بشكل كبير عن القيام بهذا الدور بل على العكس إن القطاع العام ،وإن كان قد تخلى بشكل مباشر عن دوره في النشاط الاقتصادي، مازال يؤدي وظيفة أساسية في الوقت الحالي عن طريق إنشاء البنيات التحتية الأساسية، التي تشكل نقطة انطلاق كل عملية استثمارية، وهذا الدور يتنوع بحسب الغاية التي أرادتها الدولة.
فقد يكون الاستثمار العمومي ذا غايات اقتصادية، ويطلق عليها الاستثمارات في الهيكل الاقتصادي، ويقصد بها تلك التي لا غنى عن خدماتها، كالسكة الحديدية، والطرق، والموانئ، ووسائل الاتصال. هذه الاستثمارات ليست منتجة بطريقة مباشرة، ولكنها منتجة بطريق غير مباشر، لما تقدمه من خدمات أساسية في عملية الإنتاج التي تقوم بها المشروعات المنتجة مباشرة، وقد تكون الاستثمارات العمومية ذات غايات اجتماعية ويطلق عليها أحيانا الاستثمارات في الهيكل الاجتماعي الأساسي، وهي تستهدف زيادة الرفاهية الاجتماعية في الدولة مثل الخدمات الصحية، والتعليمية، والإعلامية، والترفيهية، والمنتزهات، والمنشآت الرياضية.
قد يكون الاستثمار العمومي ذا غايات إدارية تساهم في تحسين ممارسات الإدارة لأدائها في خدمة المجتمع.
ب- الاستثمار الخاص:
هذا النوع من الاستثمار ينشئه الخواص، ويهدف إلى تحقيق مصالح خاصة للمستثمرين سواء كانوا طبيعيين أو معنويين، أو بمعنى آخر يهدف إلى تحقيق ربح مادي لصاحبه، إضافة إلى تحقيق أهداف عامة تتمثل في زيادة النشاط التجاري في البلد، مما يؤدي إلى زيادة ميزان المدفوعات، كما يشغل أيدي عاملة للحد من البطالة، ويحتل هذا النوع من الاستثمار مكانه كبيرة في العصر الحالي باعتباره قطرة التنمية التي تسعى جل الدول إلى تحقيقها.
والقطاع الخاص بهذا الدور أصبح فاعلا حاسما في التنمية الاقتصادية والاجتماعية على المستوى الوطني والجهوي، ومطلبا أساسيا في تحقيق الاستثمار في جل القطاعات خاصة مع التحولات السريعة في البيئة الاقتصادية بعدما غدا من الصعب الاستمرار بنظام ينطوي على هيمنة القطاع العام، واختلال في الاستثمار العمومي لاسيما بعد أن أدت الوضعية إلى مزيد من انعدام الكفاءة الإنتاجية، لذلك توجهت الدولة إلى خدمة القطاع الخاص، والنهوض به في إطار الليبرالية الاقتصادية من خلال منحه امتيازات عامة([14])وامتيازات ضريبية لبلوغ هذا الهدف. سواء بواسطة مدونات الاستثمار، أو تجهيز المناطق الصناعية، أو سياسة الاقتراض لتمويل القطاع الخاص([15])
هذه الامتيازات التي تسديها الدولة لهذا القطاع تبين إنها ذاتها صارت تدعو هذا القطاع إلى القيام بدور أكثر فعالية، وتحمله المسؤوليات الإنمائية في بناء القواعد الاستثمارية، وزيادة الإنتاج، وتحسين الأداء الاقتصادي، وقد أصبحت عملية التنمية الاقتصادية أكثر التصاقا بالقطاع الخاص، نظرا لما يتميز به من مرونة في الحركة، وتحرير الرؤية الاقتصادية والإدارية التي ترى الفرص، وتسعى لاستثمارها([16]).
يتنوع الاستثمار الخاص بحسب نوع النشاط المزاول، فقد يكون استثمار مباشر وقد يكون غير مباشر، هذا النوع الأخير يعتمد على شراء المشاريع الجاهزة وتملك أسهما أو أجزاء منها وشراء السندات المالية وإعادة بيعها([17])، أما النوع الأول" فيأخذ شكل خلق مؤسسة من طرف المستثمر إما وحده أو بمساهمة آخرين أو بشراء جزئي أو كلي لمقاولة موجودة، أو توسع مشروع قائم بإعادة استثمار الأرباح"([18]).
يشكل الاستثمار المباشر بشقيه الإنتاجي والخدمي أهمية بالغة في الاقتصاد، ويعتبر أكثر حاجة وإلحاحا في البلدان الصغيرة الأقل نموا ونقصا في الموارد، فبناء مشروع إنتاجي جديد صناعي أو زراعي أو استخراجي أو غيرها، يترتب عنه خلق مصادر جديدة للدخل، وفرص عمل، وإضافة عدد من المنافع الاقتصادية الجديدة للمجتمع لم تكن قد وجدت من قبل، مثل تشغيل الأيدي العاملة المحلية، وتدبيرها، وبناء مهاراتها الفنية والإدارية والتكنولوجية([19]).
هكذا أصبح القطاع الخاص يتميز بكونه المستثمر والمشغل والمنتج الرئيسي، نتيجة تشعبه بروح المبادرة، واعتماده مؤهلات مهنية وكفاءات تقنية عالية، وتفتحه على الاقتصاد العالمي والشراكة الصناعية الدولية، فهذا القطاع في المغرب يشارك بأكثر من 70%من تكوين الناتج الإجمالي، ويشغل أزيد من 90% من اليد العاملة ويسهم بـ 60% من تكوين الرأسمال الثابت وارتفعت حصته بوتيرة منتظمة لتغطي حوالي 70% من مجموع الاستثمارات عـوض 48% في 1981 وبالنسبة للاستثمارات الصناعية فاقت حصة القطاع الخاص؛ بما فيها الاستثمار الأجنبي، متوسط 90%خلال السنوات الخمس الأخيرة([20])، وقد سجلت العمليات المالية في المغرب فائضا للسنة الثانية على التوالي ب 14.5 مليار درهم سنة 2005 مقابل 10.4 مليار درهم سنة 2004، وتعزى هذه النتيجة إلى ارتفاع العمليات المالية للقطاع الخاص التي بلغت 16.3 مليار درهم، في حين لا تتجاوز العمليات المالية للقطاع العام 1.7 مليار درهم، وقد تحقق فائض العمليات المالية بفضل عائدات القروض والاستثمارات الخارجية التي بلغت 28.3 مليار درهم سنة 2005 مقابل 15.7 مليار درهم أي بنسبة 6.2% من الناتج الداخلي الخام، وهو أعلى معدل حققه المغرب[21]
أما بالنسبة لليمن فمازال الاستثمار الخاص يعاني من ركود حيث انخفضت حصة القطاع الخاص في الاستثمارات الثابتة من نحو 61,81% عام 2000 إلى حوالي 31,06% عام 2004 بينما ارتفعت حصة الاستثمار الحكومي، مما يعني أن الاستثمار الخاص يمر بمرحلة ركود، لعوامل عدة متشابكة أهمها السياسات الاقتصادية الانكماشية وارتفاع أسعار الفائدة، والتوجه نحو الاستثمار المالي([22]).
كما تشير كذلك الإحصائيات إلى أن إسهام القطاع الخاص اليمني في الناتج المحلي لا يتجاوز 50% من الناتج المحلي الإجمالي (2000، 2004)([23]).
هنا يبين أن سلوك القطاع الخاص في الميدان الاقتصادي ما زال ضعيفا، وله قابلية جد محدودة لتوظيف أمواله في الاستثمارات المنتجة، وهذا مرتبط بمجموعة من العوامل:
- ضعف التكوين الاقتصادي والتقني لكثير من رجال الأعمال.
- ضيق السوق الداخلية بسبب الركود الاقتصادي.
- وجود عدد كبير من رأس المال اليمني في الخارج (المغتربون).
من الملاحظ إن هذه العوامل السابقة قد أدركتها الحكومة اليمنية التي تعمل جاهدة على تجاوزها من خلال البرامج والخطط والاستراتيجيات، التي تنفذها والمتمثلة في انعقاد عدد كبير من ورش العمل والندوات واللقاءات برجال الأعمال الوطنيين والخليجيين والأجنبيين كان أهمها انعقاد المؤتمر الأول للاستثمار والتنمية في فبراير 2006 إضافة إلى أن ملف الاستثمار يحظى باهتمام كبير، وبمتابعة خاصة من فخامة الرئيس علي عبد الله صالح الذي كان ملف الاستثمار في طليعة زياراته المستمرة لدول الخليج والدول الكبرى.
إضافة إلى استعداد اليمن الاحتضان مؤتمر فرص استكشاف الاستثمار الذي سينعقد في صنعاء في منتصف شهر أبريل 2007م الذي سيطلع رجال الأعمال الخليجيين واليمنيين الأجانب على المجالات والفرص الاستثمارية في اليمن، وعلى الأوضاع التي تهيئها اليمن للمستثمرين، من محفزات وتسهيلات تعكس البيئة المناخية للاستثمار في اليمن. نأمل أن هذه اللقاءات والندوات ستساهم بشكل كبير وفعال في النهوض بالقطاع الخاص سواء الوطني أو العربي أو الأجنبي للاستثمار في اليمن، وتشخيص المعوقات التي تواجه زيادة نمو هذا القطاع الذي يجب أن يعول عليه اليمن بشكل كبير لتحقيق إقلاع اقتصادي وتنموي.
الفقرة الثانية: الاستثمار الأجنبي:
يمكن القول بأن الاستثمار الأجنبي «هو تحريك لرؤوس الأموال من بلد إلى بلد آخر»، سواءا كانت أموالا قصيرة الأجل أم طويلة الأجل، ويغلب عليها طابع الاستمرار، وتكون عادة مصحوبة بنية إعادة تحويل رأس المال وعائده إلى موطنه الأصلي،[24] وعلى الصعيد الآخر تركزت تعريفات رجال القانون للاستثمار وبالذات الاستثمار الأجنبي على تحريك رؤوس الأموال من بلد إلى بلد آخر يتميز بتنظيم مباشر، وقد عول بعضهم على عنصر الربح، واعتبره ركنا أساسيا في أي تعريف. غير أن فريقا آخر ارتأى إن بعض الاستثمارات الأجنبية قد لا تستهدف الربح مباشرة أو الربح بذاته، وإنما تساعد في إنشاء المشروعات وتشغيلها في البلد المستفيد المستثمر فيه، وهذه المشروعات هي التي تحقق الربح[25]، والاستثمارات الأجنبية التي تهدف الدولة إلى تشجيعها هي رؤوس الأموال الخاصة أي المملوكة للأفراد والمشروعات الخاصة ذلك بأن الهيئات العامة والدول ولو كانت اشتراكية لا تستثمر خارج بلادها بل يقتصر طموحها على التنمية الوطنية في الأصل([26]).
لقد ازدادت أهمية الاستثمار الأجنبي الخاص ودوره في عملية التنمية خصوصا بعد التغيرات الكبرى التي طرأت على النظام المالي الدولي في أعقاب أزمة المديونية الخارجية في أوائل عقد الثمانينات بشكل عام على مستوى العالم، مما اضطر الدول إلى السعي إلى جذب هذا النوع من الاستثمارات للاستعانة به في تمويل مشاريعها لمواجهة المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها.
وبهذا يعد الاستثمار الأجنبي أحد الظواهر التي طفحت على مسرح العلاقات الدولية وقد ازداد انتشاره مع إكراهات العولمة التي يعد الاستثمار من خلالها أحد الأولويات المحركة للدورة الاقتصادية والمسهلة للاندماج الاقتصادي بين الدول، والاستثمار الأجنبي بهذا أصبح حجر الزاوية وعصب اقتصاديات العديد من الدول سواء النامية أو المتقدمة، ولأهمية هذا الموضوع يجب "أولا" تعريف المستثمر الأجنبي ثم المال المستثمر "ثانيا".
أولا: المستثمر الأجنبي:
تعد مسألة تحديد جنسية المستثمر أمرا خاصا تحدده التشريعات الداخلية لكل دولة مضيفة للاستثمار، وهذا التحديد ينصب في الأساس على ما إذا كان المستثمر شخصا طبيعيا أو معنويا، وبالرجوع إلى القانونين([27]) اليمني والمغربي يتضح أنهما لم يضعا تعريفا محددا للمستثمر الأجنبي.
فالقانون اليمني للاستثمار نلاحظ أنه عرف المستثمر بشكل عام في المادة (2) الفقرة (14) المستثمر «كل شخص طبيعي أو اعتباري يمني أو عربي أو أجنبي، يرغب بالاستثمار أو تملك مشروعا أو يساهم فيه طبقا لأحكام هذا القانون».
أما القانون المغربي للاستثمار فلم يضع تعريفا للمستثمر الوطني والأجنبي بصفة عامة، ولكن بالرجوع إلى قوانين بعض الدول العربية يتبين إن نظام الاستثمار الأجنبي السعودي عرف المستثمر الأجنبي في المادة الأولى الفقرة (هـ) بأنه «الشخص الطبيعي الذي لا يتمتع بالجنسية السعودية أو الشخص الاعتباري الذي لا يتمتع جميع الشركاء فيه بالجنسية السعودية».
كما عرفته المادة الأولى لقانون استثمار رأس المال الأجنبي الكويتي على أنه الشخص «الذي يحمل جنسية غير كويتية».
وجملة هذه القوانين تظهر أن بعض الدول تفرق بين المستثمر الأجنبي والوطني من خلال إصدار قوانين تمنح امتيازات خاصة للأجانب، لا يستفيد منها المستثمرون الوطنيون. بعكس القانونين اليمني والمغربي اللذين ساويا بين المستثمرين الوطنيين والأجانب، واعتبرا قوانين الاستثمار بمثابة إطار تستفيد منه الاستثمارات الوطنية والأجنبية.
ثانيا: رأس المال الأجنبي:
إن رأس المال الأجنبي قد يكون مالا نقديا أو عينيا أو حقا معنويا، ولكن حتى ينطق على رأس المال بصفة الأجنبية لا بد أن يكون هذا المال أو الحق مملوكا للأجنبي الذي يريد الاستثمار سواء كان فردا أو شخصا اعتباريا. بشكل عام توجد طريقتان لتحديد رأس المال المستثمر: الأولى هي أن توضع قائمة مفصلة لمفرداته، والثانية هي وضع معيار عام لما يعد مالا مستثمرا.
والمشرع اليمني يعد من التشريعات التي أخذت بالطريقة الأولى، فقد حدد المال المستثمر في المادة (2) الفقرة (17) من قانون الاستثمار كالآتي: يقصد بالمال المستثمر في تطبيق هذا القانون القيمة المقدرة بالمال الأجنبي أو المحلي المستثمر في المشروع، وتحدد على النحو التالي:
- رأس المال الأجنبي:
أ- النقد الأجنبي الحر بقصد الاستثمار في إنشاء المشروعات أو التوسع فيها أو تطويرها، وكذا السندات المالية القابلة للتحويل إلى عملة حرة والمحولة إلى الجمهورية من شخص أو أشخاص عرب أو أجانب لتوظيف في المشروع.
ب- الموجودات الثابتة الواردة من الخارج بقصد الاستثمار في المشروع.
ج- الحقوق المعنوية العربية أو الأجنبية كالتراخيص، وبراءة الاختراع، والعلامات التجارية المستثمرة في المشروع والمسجلة في الجمهورية، والتي تحمى وفقا لاتفاقية دولية أو ثنائية تكون الجمهورية طرفا فيها.
د- أرباح ومكاسب استثمار الأموال الأجنبية داخل الجمهورية والمحول إلى رأس مال عن طريق استثمارها في المشروع.
هـ- التكلفة الاستثمارية للأراضي والمباني التابعة للمشروع.
والمشرع اليمني يكون في هذا النص قد قسم رأس المال الأجنبي إلى نوعين من الأموال، وتتمثل في:
1- الأموال المادية: تتكون من نوعين: أ- الأموال السائلة، ب- الأموال العينية:
أ- الأموال السائلة:
وتشمل النقود والأوراق المالية والتجارية المحولة إلى اليمن، يعني هذا أن يكون رأس المال الأجنبي قد جاء من الخارج حتى تصبغ عليه صبغة الأجنبي نود الإشارة في هذه الحالة إلى أن المشرع اليمني، إضافة إلى دخول الأموال من خارج البلاد حتى تكتسي الصفة الأجنبية، اعتبر حتى الأرباح المحصل عليها من المشروع بمثابة أموال أجنبية إذ أضيفت إلى رأس المال المستثمر وذلك في الفقرة "ب" سالفة الذكر.
ب- الأموال العينية:
تتمثل في الموجودات الثابتة الواردة من الخارج، وتشمل الآلات والمعدات ووسائل النقل، حيث تعد مثل هذه الأموال من مستلزمات المشروع المزمع إقامته ولازمة لإنشائه، لذا يشترط في هذه الأموال أن تكون لأغراض الاستثمار، أي مرتبطة بالمشروع، كأن تكون لازمة لإنتاجه أو تكوينه أو لازمة لإدارته وصيانته([28]).
2) الأموال المعنوية:
تعتبر حقوقا معنوية براءة الاختراع والعلامات التجارية والترخيص والأسماء التجارية المسجلة والتصميمات الهندسية والتكنولوجية، وهي أموال تنتقل ملكيتها بالقيد في سجل رسمي معد لذلك، فهي لا يمكن إدراكها بالحس، ولا تخضع لقواعد إجازة أو نقل ملكيتها بالتسليم([29])، يكون المشرع اليمني بهذا قد وضح الأموال التي تعد أجنبية.
أما المشرع المغربي فلم يضع تحديدا للمال المستثمر سواء الأجنبي أو الوطني في قانون الاستثمار، ولكن يمكن أن نستشف ذلك من المرسوم التطبيقي لميثاق الاستثمار([30])، والوارد في المادة الأولى منه"(مبلغ برنامج الاستثمار)" التكلفة الإجمالية باعتبار جميع الرسوم لكل عملية تتعلق بإحداث أنشطة أو توسيع نطاقها بما في ذلك مصاريف الدراسات ومصاريف البحث عن الطرائق وإعدادها وتكاليف الأرض والبنيات الأساسية الداخلية والخارجية والمباني الهندسية المدنية والسلع التجهيزية والمعدات والآلات والرسوم والفوائد والأموال المتداولة وضمن ذلك التكاليف المالية، وإن اقتضى الحال كل عملية تمليك أو تجديد تتعلق بالسلع التجهيزية لأجل إنتاج سلع أو خدمات وتساعد على النهوض بالتنمية الاقتصادية. وعلى إحداث مناصب شغل قارة.
(التحويل التكنولوجي) كل عملية تتعلق بتملك أو استئجار براءة الاختراع أو الرخص أو الطرائق التقنية الحديثة، التي تساعد على الإسهام في تعزيز التنافسية والبحث العلمي والتقني.
يكون المشرع المغربي بهذا النص قد توسع في مفهوم المال المستثمر حتى إنه شمل مصاريف الدراسات والبحث.
إذا كان هذا الموضوع قيد الدراسة قد تبين فيه تعريف المستثمر الأجنبي، ورأس المال الأجنبي، فإنه كذلك يجب إبراز الأهداف التي يمكن أن تحققها الاستثمارات الأجنبية في البلدان النامية والمتمثلة في:
- اعتباره مصدرا وحيدا للحصول على العملات ورؤوس الأموال الأجنبية، والتي تمثل محورا أساسيا لأي برنامج تنموي في الدول السائرة في طريق النمو، فهذه تستطيع استخدام جزء من الأموال في تمويل مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
- تنمية الناتج القومي عن طريق استيراد الأدوات والآلات ومعدات تساهم في زيادة الإنتاج وتساعد على المنافسة.
- مصدر جديد يساهم في نقل المعرفة والتقدم التكنولوجي وأساليب الإدارة الحديثة وتدريب الكوادر الفنية([31]).
- تساعد على خلق فرص جديدة للتشغيل وتنمية الموارد البشرية وتأهيلها.
- تفتح أبواب أسواق للتصدير خاصة عندما تكون الشركات المتعددة الجنسية التي تستثمر وتمارس أنشطة إنتاجية دولية وتتحكم في أسواق بعض السلع([32]).
يعد المغرب من الدول التي حققت تزايدا كبيرا في حجم الاستثمارات حيث وصل حجم الاستثمارات الأجنبية 28مليار درهم في عام 2005، وهذا مقابل 15.7 مليار درهم سنة 2005 أي 6.2%من الناتج الداخلي الخام[33].
سأوضح في عدد من الجداول تصنيفات هذه الاستثمارات:
الجدول الأول: يبين مجموع المشاريع الأجنبية المستثمرة في المغرب سنة 2004-2005.[34]
مجموع المشاريع | 2004 | 2005 | النسبة |
عدد المشاريع | 18 | 22 | 18 % |
المبالغ المستثمرة بالدرهم | 8792 | 11584 | 24 %- |
الخدمات | 2530 | 6402 | 60 % |
الجدول الثاني: يبين الاستثمارات الأوروبية خلال عام 2005.
الدولة | عدد المشاريع | المبالغ بالدرهم | الخدمات |
فرنسا | 11 | 3.719 | 2.430 |
سويسرا | 1 | 2797 | 100 |
إيطاليا | 1 | 1577 | 100 |
إسبانيا | 4 | 886 | 1.810 |
ألمانيا | 2 | 68 | 122 |
الجدول الثالث: يبين مجموع المشاريع الأمريكية المستثمرة في المغرب خلال السنوات 2001-2005.
السنة | العدد | المبلغ بالدرهم | الخدمات |
2001 | 3 | 532 | 1450 |
2002 | 2 | 413 | 323 |
2004 | 2 | 120 | 603 |
2005 | 1 | 1400 | 1150 |
الجدول الرابع: يبين مجموع المشاريع بالنسبة للدول العربية 1999-2005.
السنة | مجموع المشاريع | المبالغ |
99 | 1 | 510 |
2001 | 1 | 661 |
2002 | 1 | 203 |
2003 | 2 | 440 |
2004 | 2 | 6256 |
2005 | 2 | 1136 |
الفقرة الثانية: مجالات الاستثمار:
إذا كان الاستثمار هو حجر الزاوية في التنمية الاقتصادية، فإنه من اللازم الاهتمام بالقطاعات التي تمتلك القدرة الكافية على التأثير بشكل إيجابي في ميكانزمات التنمية ونظرا لتعدد مجالات الاستثمار وقطاعاته فإن موضوعنا قيد الدراسة سيتطرق إلى مجالين من مجالات الاستثمار: الأول الاستثمار الصناعي، والثاني الاستثمار السياحي.
أولا: الاستثمار الصناعي:
مما لاشك فيه أن الاستثمار الصناعي في عصرنا الحالي يعتبر مقياسا أساسيا لتقييم التطور الاقتصادي والتاريخي للمجتمعات الإنسانية، وبالنظر لهذه الأهمية تحاول دول العالم الثالث تحقيق أملها في اللحاق بركب البلدان المتقدمة لتجاوز التأخر الاقتصادي بصفة عامة، والتخلف الصناعي بصفة خاصة([35]). والصناعة بهذه الصفة تشكل القوة الإنتاجية الأكثر ديناميكية من بين القوى الأخرى لاقتصاد البلاد.
والاستثمار الصناعي استثمارا منتجا، فرضته ظروف اقتصادية معينة جعلت الدولة تحاول تشجيعه([36])، عبر سياستها الاقتصادية لبلوغ التنمية الصناعية، حاولت بعض الدول تشجيع التصنيع عبر إنعاش الاستثمار الصناعي، ومنها المغرب الذي عمل على استقطاب المستثمرين المحليين والأجانب، وذلك من خلال منحهم تشجيعات خاصة مرتكزة بالدرجة الأولى على الإعفاءات الضريبية([37])، وهو ما كرسته قوانين([38]) الاستثمار المتعاقبة التي حاول المغرب من خلالها أن يعطي مفهوما اقتصاديا يقوم على تنمية حقيقية وذاتية لتحرير الاقتصاد الوطني وتطوير التصنيع هدفا استراتيجيا([39])، ولقد ساعد هذا التوجه بشكل واضح على نمو القطاع الصناعي في الثمانينات والذي توافق مع ارتفاع قوى الصادرات، غير أن هذا التطور الصناعي ظل مقتصرا في غالبيته على القطاعات التقليدية كالنسيج، والجلد، والصناعة الفلاحية.
يعتبر الاستثمار الصناعي أحد دعائم الاقتصاد الوطني المغربي، وقد عرف نموا كميا ونوعيا متزايدا على مختلف مستويات الاستثمار والإنتاج والتصدير والتشغيل والاستغلال، فبعد أن كان المغرب في بداية الستينات يستورد معظم حاجياته من المواد المصنعة، فإنه بفضل الجهود التي بذلها منذ تلك الفترة لتنمية الإنتاج الصناعي، تضاعف عدد الوحدات الصناعية خمس مرات، وانتقلت حصة القطاع الصناعي من الناتج الإجمالي المحلي من 10% إلى حوالي 17%وأصبح هذا القطاع يصدر 25% عوض 15%سنة 81% من إنتاجيات الشغل حوالي نصف مليون أيدي عاملة، ويساهم بقرابة 70% من مجموع الصادرات[40].
عرفت حركية الاستثمارات الصناعية تصاعدا ملموسا يعكس مدى أهمية هذا القطاع في النسيج الاقتصادي الوطني، والإستراتيجية الوطنية لدعم الاستثمارات الصناعية قد شملت كل القطاعات الاستثمارية، بل توسعت إلى أبعد من ذلك حيث تم إحداث مناطق صناعية بهدف تطوير البنية الصناعية داخل جميع جهات المملكة باعتبار أن الاستثمارات الصناعية تعتبر قطرة لكل تنمية[41]، وأن الهدف من هذه الإصلاحات هو إعطاء أهمية قصوى للقطاع الصناعي ومضاعفة قيمة حجم الصادرات، وتنوع الصادرات المخصصة للتصدير، هذا التوسع الذي أسفر عن مجموعة من الصناعات التصديرية، على رأسها المنتجات الكيمائية التي تمثل 25.2% من الصادرات الصناعية، وتحتل صناعة الملابس المرتبة الثانية بنسبة 22.9% تليها الصناعة الغذائية بنسبة 18%، ثم قطاع النسيج بنسبة 14.1%، أما المرتبة الخامسة فيحتلها قطاع الورق والطباعة بنسبة 4.4%، وتأتي في المرتبة الأخيرة الصناعة الكهربائية والإلكترونية بنسبة لا تتجاوز 3.1%.[42]
تكمن أهمية القطاع الصناعي في القيمة الزائدة التي يفرزها الإنتاج الصناعي والني تعبر عن درجة مساهمة هذا القطاع في الرفع من مستوى الإنتاج الوطني لإنعاش اقتصاد البلد([43]).
ثانيا:الاستثمار السياحي:
يعتبر القطاع السياحي هو الآخر من بين القطاعات الاقتصادية المهمة التي غدت تشكل موردا هاما على الصعيد الوطني لمجموعة كبيرة من الدول سواء الغنية منها أو الفقيرة، لهذا توجهت الدول إلى تشجيع هذا القطاع عن طريق إحداث المنشآت الإيوائية والمرافق الترفيهية الموازية، وتزويدها بمختلف التجهيزات التحتية، وذلك عن طريق وضع برنامج يشمل اختيار المناطق السياحية، وبناء المؤسسات الإيوائية والمنشآت الترفيهية وإحداث المقالات السياحية التي تستقطب السياح.
يعد المغرب إحدى الدول التي تتمتع بإمكانيات سياحية كبيرة، جعل منه في قمة الدول التي تشكل فيه السياحة قاطرة للتنمية، لتأثيرها الإيجابي في مجموعة من دواليب الاقتصاد ومن بينها: تأثيرها في ميزان المدفوعات بكونها مصدرا من مصادر العملة. وقدرتها على فتح العديد من الورشات واستيعابها للمزيد من اليد العاملة([44])يعود السبب في ذلك إلى السياسة التي نهجها المغرب في تشجيع الاستثمار في هذا المجال، فهو لم يكتف ببناء المحطات السياحية، وتوفير مختلف التجهيزات السياحية، بل عمل على رفع مستوى خدماتها، وذلك بإحداث مرافق ومنشآت ترفيهية موازية، وتنظيم التظاهرات الثقافية والرياضية وغيرها، وتسويق المنتوجات بمختلف الأسواق السياحية([45]).
سأوضح هذه السياسة التي انتهجها المغرب لتشجيع الاستثمار السياحي، وتطوره منذ فجر الاستقلال وحتى مطلع الألفية الحالية وذلك من خلال الجدولين الآتيين:
الجدول الأول: يوضح تطور الطاقة الإيوائية المصنفة حسب مختلف أصنافها.
سنة | فنادق من فئة | القرى السياحية | الإقامات السياحية | المجموع | ||||
5* | 4* | 3* | 2* | 1* | - | |||
1964 | 2189 | 2329 | 2999 | 3156 | 2110 | 700 | 0 | 13486 |
16.23 | 17.27 | 22.24 | 23.40 | 15.65 | 5.11 | 0 | 100 | |
1980 | 8552 | 17109 | 6064 | 5013 | 3168 | 12364 | 2030 | 54300 |
% | 15.75 | 31.51 | 11.17 | 9.23 | 5.83 | 22.77 | 3.74 | 100 |
2000 | 15006 | 26935 | 17925 | 9768 | 5246 | 15659 | 4641 | 95180 |
% | 15.76 | 28.30 | 18.83 | 10.26 | 5.40 | 16.45 | 4.88 | 100 |
2003 | 17174 | 33657 | 17796 | 12428 | 6371 | 16437 | 5746 | 109609 |
% | 15.67 | 30.71 | 16.24 | 11.34 | 5.81 | 15.00 | 5.24 | 100 |
الأسرة الإضافية | 14985 | 31328 | 14797 | 9272 | 4261 | 15737 | 5746 | 96126 |
هذا الجدول يبين مدى العناية التي يوليها المغرب للاستثمار السياحي ومدى تطورها، فهذا التشجيع لم يكن مقتصرا فقط على بناء الفنادق ، بل توسع حيث شمل القرى السياحية، والإقامات السياحية، إذ خلال الفترة ما بين 2000-2003 وصل عدد الأسرة بالمؤسسات الإيوائية المصنفة التي أمكن إحداثها إلى 19186 سريرا أي بمتوسط 4896 سريرا في السنة، مع الإشارة إلى أن السياسة السياحية 2000-2010 ترمي إلى إحداث 160 ألف سرير إضافي أي بمتوسط 16 ألف سرير سنويا.
الجدول الثاني: يوضح توزيع عدد الأسرة بالمؤسسات الإيوائية المصنفة حسب أهم الواجهات السياحية.
المدن | 1967 | % | 1980 | % | 2000 | % | 2003 | % |
اكادير | 1144 | 5.55 | 10882 | 20.04 | 21494 | 22.58 | 25367 | 23.14 |
مراكش | 1970 | 9.56 | 6754 | 12.43 | 18696 | 19.64 | 22109 | 20.17 |
الدار البيضاء | 2898 | 14.06 | 4896 | 9.01 | 7750 | 8.14 | 8448 | 7.71. |
طنجة | 3492 | 16.95 | 8793 | 16.19 | 7087 | 7.44 | 7283 | 6.64 |
فاس | 1046 | 5.07 | 2731 | 5.03 | 3995 | 4.19 | 5914 | 5.40 |
ورزازات | 1250 | 6.06 | 1646 | 3.03 | 4730 | 4.97 | 5021 | 4.58 |
تطوان | 1349 | 6.55 | 4413 | 8.13 | 4293 | 4.51 | 4637 | 4.23 |
الرباط | 1658 | 8.04 | 2646 | 4.88 | 3861 | 4.05 | 4367 | 3.98 |
مكناس | 1104 | 5.36 | 1932 | 3.55 | 1929 | 2.02 | 2162 | 1.97 |
الحسيمة | 1744 | 8.46 | 2051 | 3.77 | 2146 | 2.25 | 2114 | 1.93 |
وجدة | 740 | 3.59 | 984 | 1.81 | 1651 | 1.73 | 1738 | 1.59 |
المجموع الوطني | 20601 | 100 | 54300 | 100 | 95180 | 100 | 109609 | 100 |
هذه الإحصائيات الواردة في الجدولين تعكس هذا الاهتمام في الاستثمار السياحي الذي أدى إلى زيادة السياح القادمين إلى المغرب.
ففي عام 2003 زار المغرب 4,8 مليون سائح منهم 2,5 مليون من المغاربة المقيمين بالخارج بإجمالي مدا خيل تقدر 30 مليار درهم([46])، كما ارتفعت إيرادات السياحة بالمغرب عام 2005 إلى 4,3 مليارات دولار بعد أن زارها 6 ملايين سائح([47]). ويستوضح ذلك بجدول يبين ارتفاع عدد الوافدين.
|
استنادا إلى معطيات هذا الجدول يتبين ارتفاع عائدات السياحة بنسبة 17.7%، لتستقر في 41 مليار درهم متجاوزة بذلك تحويلات المغاربة القاطنين بالخارج لأول مرة منذ 1999 والتي بلغت 40.7 مليار درهم، أي بارتفاع يقدر ب 8.9% مقارنة مع السنة التي تليها، وقد أعطى هذان العنصران حوالي 93.8% من العجز التجاري، ومثل كل منهما 9% و 8.9%من الناتج الداخلي العام.[48]
تشير هذه الإحصائيات إلى أن القطاع السياحي قد ساهم في زيادة ميزان المدفوعات عن طريق إدخال عملات أجنبية للبلاد، تساهم في الرفع من احتياطي البلاد من العملات الأجنبية، إضافة إلى أنه يعمل على خلق فرص عمل متعددة سواء في القطاع السياحي نفسه أو في قطاعات مرتبطة بها، فعلى سبيل المثال فإن خلق محطات سياحية كبيرة لتنمية السياحة الجهوية، مثل مشروع فاديز fadezaالسياحي بساحل السعيدية والذي تصل طاقته الإيوائية إلى 27 ألف سرير، وبوسع هذا المشروع أن يوفر 8000 منصب شغل قار و10 آلاف منصب شغل غير قار، وقد بدأ المشروع في إنجاز وحدة فندقية بسعة 600 غرفة وعلى الصعيد الوطني ينتظر أن تصل فرص الشغل القارة 80 ألف منصب و 100 ألف منصب غير قار([49]).
يعود سبب إسهام هذا القطاع في ارتفاع معدل النمو الاقتصادي في المغرب إلى توفره على مناخ ملائم يشجع على الاستثمار السياحي كما سلف سابقا، ثم توفره إضافة إلى ذلك على المقومات السياحية الأساسية كالفنادق ذات المواصفات العالمية، وتوسع انتشار وكالات الأسفار وتفننها في خدمة الزبون، إضافة إلى احتضانه مؤهلات سياحية طبيعية وثقافية مهمة([50])،والتي تظل محل إعجاب الوافدين.
إن الاهتمام في الاستثمار السياحي أصبح يشكل أهمية كبيرة في عدد من الدول، ففي مصر، بسبب الاهتمام بتشجيع الاستثمار السياحي، وصل عدد السياح الزائرين لها عام 2004 حوالي 8,1 مليون سائح بمعدل نمو قدرة 34,1 مقارنة بعدد السائحين عام 2003 كما بلغ إجمالي النمو88,37% خلال الفترة من 2001 حتى 2004 بينما بلغ معدل النمو السنوي 22,09%، ووصل إجمالي دخل السياحة في عام 2004 6,120 بليون دولار أمريكي بزيادة قدرها 1,45 بليون دولار أمريكي مقارنة بعام 2003 حيث تساهم السياحة بشكل مباشر وغير مباشر في الناتج الإجمالي القومي 11,3% وتساهم في توظيف نسبة 12,6% من القوة العاملة المصرية، وتعتبر السياحة المساهم الأول في الاقتصاد المصري حيث تساهم بنسبة 22,1%من العملة الصعبة([51]).
تدل هذه المؤثرات على الأهمية التي يحتلها القطاع السياحي وذلك راجع إلى توسع الاستثمار في هذا القطاع بشكل كبير، ففي مصر ازداد عدد الشركات العاملة في مجال السياحة من 86 في عام 94 إلى 352 شركة في يونيو 2003، كما يوفر هذا القطاع أكثر من 184448 فرصة عمل، كما ازداد عدد الفنادق والقرى السياحية من 702 عام 95 إلى 909 عام 2004([52])، أما عن الوضع السياحي في اليمن، فهي تعد من الدول الأقل نموا في جلب السياح، حيث لا يتجاوز عدد السياح القادمين إليها 700.000 ألف سائح سنويا، على الرغم من أنها تتوفر على مقومات سياحية كبيرة طبيعية وأثرية، فالإثارة السياحة تنتشر في جميع المناطق اليمنية، من خلال امتلاكه مدنت تاريخية كثيرة حازت على إعجاب العديد من السياح الأجانـب([53]) ويعزى ضعف السياحة في اليمن إلى عدم التوسع في الاستثمار السياحي وذلك عن طريق إنشاء الفنادق العالمية، والمقاهي، والقرى السياحية، والأماكن الترفيهية خاصة في المناطق ذات الحضارة الكبيرة، كمأرب التي فيها الآثار السبئية المذكورة في القرآن الكريم يقول الله تعالى: «لقد كان لسبإ في مسكنهم آية، جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور».[54]
وإدراكا من الحكومة اليمنية أهمية هذا القطاع الحيوي باعتباره أحد روافد التنمية سعت إلى إنشاء وزارة السياحة وذلك في الحكومة المشكلة في فبراير 2006، والتي تسلط الضوء على تفعيل الاستثمار في القطاع السياحي، باعتباره الإدارة الأفضل لإنعاش قطاع السياحة،
تظهر أهمية الاهتمام بالاستثمار السياحي لكونه يعمل على تحريك اقتصاد البلد كاملا بكل قطاعاته، كما أن العائد الاقتصادي يعود بالفائدة على جميع فئات المجتمع.
المبحث الثاني: دور الاستثمار في التنمية الاقتصادية
يقوم الاستثمار بدور حيوي في تنشيط الحركة الاقتصادية والاجتماعية للبلدان المتقدمة والنامية على حد سواء، إلا أن ضعف البنية الاقتصادية لهذه دفعها إلى ضرورة تحقيق إقلاع اقتصادي حقيقي، تحاول من خلاله تقليص الهوة بينها وبين الدول المتقدمة، ولن يتم ذلك إلا من خلال انتهاج سياسة اقتصادية ليبرالية تعتمد بالأساس تعبئة الادخار، وإنعاش الاستثمار وهو ما عملت على تحقيقه جل الدول.
إذا كان الاستثمار مفهوما اقتصاديا وقانونيا بشتى أنواعه ومجالاته، قد لقي قبولا لدى دول العالم تتمثل في منحه التسهيلات والتشجيعات والامتيازات التي تساهم بشكل واضح على نموه وزيادة حجمه وتطوره، فإنه لا شك أن لهذا المفهوم دورا مهما يضطلع به في الدفع باقتصادية الدول، فما هو هذا الدور؟ هذا ما سيتبين على النحو التالي:
المطلب الأول: الدور الاقتصادي والمالي.
المطلب الثاني: الدور الاجتماعي.
المطلب الأول: الدور الاقتصادي والمالي
تحتل التنمية دورا كبيرا في اقتصادية الدول، فقد أصبحت الهاجس اليومي الذي يحظى باهتمام مختلف طبقات المجتمع، لأنها الحل الأنجع للعديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها هذا المجتمع أو ذاك، والتي لها ارتباط بالحياة المهنية والتجارية للتاجر الفرد أو المقاولة أو الشركة[55].
ونظرا لما تحتله التنمية الاقتصادية من أهمية كبيرة، وما تقوم به من دور في تحقيق الرفاهية الاقتصادية فإن التساؤل المطروح هو ما المعنى الحقيقي لهذا المصطلح؟
تعني التنمية بالمعنى الحديث، تفجير كل الطاقات الكامنة داخل مجتمع معين، وتعبئتها، واستغلالها أفضل استغلال، من أجل البلورة الكاملة للفرد والمجتمع اقتصاديا واجتماعيا، واستثمار طاقاته إلى أقصى حدودها، ولن يتم ذلك إلا بالتشجيع على الاستثمارات الداخلية والخارجية.
والتنمية الاقتصادية كذلك تعني إمكانية توظيف الأموال لإحداث تغيرات، والزيادة في المواد الإنتاجية التي يرجى من ورائها الرفع من الدخل الإجمالي.
بهذا يؤدي الاستثمار دورا استراتيجيا في التنمية الاقتصادية الحديثة، إذ له مرتبة مهمة في النظرية المعاصرة، شكلا من أشكال التنمية، باعتباره العنصر القادر على الرفع من عملية التنمية الاقتصادية في الدول النامية بالنظر إلى تأثيره في النشاط الاقتصادي ،والي ارتباطه بالإطار التأسيسي الاقتصادي الاجتماعي للدول، فهو بهذه الصفة يكون الوحيد القادر على خلق مسلسل هيكلي للتنمية المستديمة.
إن الحديث عن الدور الاقتصادي والمالي للاستثمار يتطلب في الأساس معرفة الإطار الاقتصادي السائد داخل الدول، و السياسة التمويلية التي تنتهجها؟والمصادر التي يرتكز عليها النشاط الاقتصادي والمالي؟ مدي استطاعة الاستثمار الرفع من معدلات النمو؟ كل هذا سنبينه من خلال المحاور الآتية:
أولا: السياسة التمويلية:
إن سياسة التمويل التي تتخذها الدول تنصب في الأساس على تعبئة الادخار.
هذا يعتبر أحد الشروط التي يقوم عليها الاستثمار.
والادخار عبارة عن مجموعة المبالغ المالية التي يحتفظا الأفراد للاختزال أو الاستثمار[56].
يتفرع الادخار إلى أنوع: ادخار العموم، وادخار الأفراد.
فالادخار العمومي: يتم استخلاصه من السياسة التوجيهية للدولة، وتدخلها في النشاط المالي عن طريق امتصاص فائض السيولة،و تخفيض نسبة الفائدة،و التخفيف من الأعباء الاجتماعية.
ونظرا للارتباط الوثيق بين سياسة الادخار والاستثمار فإننا سنقوم بتسليط الضوء على السياسة التي ينتهجها المغرب واليمن في إطار دعم الاستثمار وتوجيهه.
فا تبني بنك المغرب خلال سنة 2005 سياسة نقدية ترمي إلى امتصاص سيولة لأبناك، بهدف تمويل اقتصادي ملائم مع ضمان مرودية كافية للادخار. تهدف هذه السياسة إلى استقرار معدل الفائدة المعمول بها بين لأبناك وكذلك عمليات سحب السيولة في معظم أوقات السنة من خلال التسهيلات المقدمة للإيداع لمدة 24 ساعة التي مكنت من سحب 1.7 مليار درهم معدلا يوميا[57].
هذه السياسة التي بنهجها المغرب تساهم بشكل كبير في تقوية بنية الادخار المالي، وهو ما يوضحه مؤشر معدل السيولة العامة للاقتصاد خلال 2002-2005.
|
هذا الجدول يبين الارتفاع التدريجي في معدل السيولة وهذا بحد ذاته يعكس مدي أهميه تقويه الادخار المالي فكلما كانت السياسة النقدية ناجحة كلما عملت على امتصاص الأزمات المالية التي تواجه تدفق الاستثمارات.
فتقوية بنية الادخار عن طريق تدفق المداخل الوطنية والأجنبية يؤدي إلى ارتفاع الادخار ففي المغرب بفضل تدفقات المداخيل الخارجية، ارتفع الادخار الوطني الخام إلى 8.5% مقابل 2.9%سنة 2004 مما أدى إلى رفع معدل الادخار الوطني إلى 28.4%من الناتج الداخلي الخام، وهو ما مكن من تغطية كافة نفقات الاستثمار ب 109.4% بعد.107.7 %سنة 2004 ،ومن توفير قدرة تمويلية وصلت إلى 2.4%من الناتج الداخلي الخام[58].
ورغم ارتفاع الادخار المالي إلى 109.5 مليار درهم عوض 56 مليار درهم سنة 2004، فإن بنيته لم تطرأ عليها تغييرات ملحوظة، باستثناء الإصدارات الجديدة لأسهم الشركات، التي حظيت باهتمام الوكلاء غير الماليين، حيث قدر مبلغ الاكتتابات الإضافية في 36.4 مليار بارتفاع قدره 24.8 مليار درهم مقارنة مع سنة 2004، وتبقى الموجودات السائلة وتوظيف الأجل القصيرة مهيمنة على 52% من مجموع الادخار المحصل من طرف القطاع المالي. أما فيما يخص توظيفات الأجل المتوسط، فقد ارتفعت ب 69.3% بعد تراجع نسبه 36.6%، إلا أن هذا التحسن يظل معتدلا حيث أن هذه التوظيفات المتوسطة لأجل لا تغطي سوى 49% من التكوين الخام للرأسمال الثابت.
ويستوضح بنية الادخار المالي خلال 2002..2005 علي النحو التالي:
|
أما بالنسبة للسياسة الاقتصادية لتعبئة الادخار في اليمن، وإن كانت تمارس من خلال عدة أنشطة لتعبئة الادخار كإصدار أذون الخزانة، وامتصاص الفائض النقدي من البنوك أو العمل على توفير احتياطي نقدي الذي وصل في 2006 إلى 6 مليار دولار[59]، إلا أن السياسة التوجيهية لهذا الادخار غير موفقة، فهي لم تصرف في تغطية النفقات الاستثمارية والمساهمة في المشاريع الاستثمارية، وهذا غير منطقي أن تتم دعوة القطاع الخاص المحلي والعربي والأجنبي للاستثمار في اليمن في الوقت الذي لا تعمل فيه الحكومة على استثمار جزء من الاحتياطي في تمويل المشاريع الاستثمارية[60].
إضافة إلى أن السياسة التمويلية تنصب على توجيه المدخرات في المحافظة على استقرار سعر الصرف، حيث أعلن البنك المركزي اليمني مؤخرا ضخ 66 مليون دولار لمواجهة استمرار انخفاض الريال الذي بدأ سعره يتجاوز 197 مقابل الدولار في إطار المحاولات الحثيثة التي يقوم بها البنك منذ مطلع العام 2006 للحفاظ على سعر الصرف[61].
إضافة إلي توجيه الادخار في تغطية عجز ميزانية الدولة بهذا أصبحت الدولة المستهلك الأساسي للادخارات، بدلا من توجيهها في مشاريع تعود بفائدة ،وتعالج من خلالها المشاكل الاقتصادية من جذورها بدلا من المعالجات الآنية.
لا تميز تعبئة الادخار بين مجتمع صناعي وآخر سائر في طريق النمو، لأن هنالك تداخلا بين استراتيجية التنمية وتعبئة الادخار من جهة، ومن جهة أخرى لأن التوفيق بينهما يساعد على حل مشكلة تمويل الاقتصاد ولو بصورة جزئية، أي بمعنى آخر أن هناك ترابطا أو علاقة بين الادخار والاستثمار، فهذا يبقى المطلب الأول لتحقيق التنمية الاقتصادية ،والادخار هو أول شروط تنمية الاستثمارات[62].
من هذا المنطلق يتبين أنه حتى نكون أمام تنمية اقتصادية حقيقية يجب على الدول تعبئة كل الموارد الداخلية والخارجية في المشاريع الاستثمارية المنتجة. لأن مسألة التنمية ترتبط بشكل وثيق بأهمية الاستثمار، وبنيته وفعاليته، وكذا أصبح الاستثمار يقوم بدور مهم في تنمية اقتصاديات الدول، فمقدرة نمو اقتصاد أي بلد ينصب في الأساس على المصادر الأساسية لتمويل النشاط الاقتصادي؟
وتوضيح هذه الفكرة ينصب في الأساس على توجه الدولة وخططها التنموية في تسيير اقتصادها، بحسب المعطيات والخصائص التي لديها والتي تختلف من دولة إلى دولة أخرى.
فاليمن، وعلى سبيل،المثال تعد من الدول التي تمتلك حوضا نفطيا كبيرا، يعني أن النفط يشكل المورد الأساسي في ميزانية الدولة،بمعنى آخر تعد صادرات النفط الخام المحور الرئيسي للصادرات اليمنية، فحسب الإحصائيات المتوافرة لدينا من عام 1998-2002 نلاحظ أن الصادرات النفطية : بلغت (92%) عام 1998، (94.4)عام1999، (96%) عام 2000 (94.5%) عام 2001 (90.6%)عام2002.
في الوقت الذي تساهم فيه القطاعات الأخرى غير النفطية بالنسب آلاتية : (8%) عام 98، (5.6%) عام 99، (3.2%) عام 2000 ،(5.5%) عام 2001 ،(9.4%)عام2002.
وسيوضح الجدولين هذه الإحصائيات علي النحو التالي.
1- نسبة مساهمة القطاعات غير التغطية في هيكل الصادرات.
القطاعات | 1998 | 1999 | 2000 | 2001 | 2002 |
الزراعي | 3.2% | 2% | 1.5% | 2.4 % | 2.66% |
الصناعي | 1.6% | 1.1% | 0.78% | 0.89% | 0.96% |
السمكي | 1.2% | %0.85 | 0.60% | 1.7% | 2.76% |
أخرى | 2% | 1.6% | 0.40. % | 0.59% | 2.02% |
الجدول يوضح الهيكل السلمي للصادرات خلال الفترة 1998-2002 قيمة الصادرات | |||||
1998 | 1999 | 2000 | 2001 | 2002 | |
النفط | 92% | 94.4 % | 96.8% | 94.5% | 90.6 % |
الزراعي | 3.2% | 2% | 1.5% | 2.4% | 2.66% |
الصناعي | 1.6 % | 1.1 % | 0.78% | 0.87 % | 0.96% |
السمكي | 1.2% | 0.85% | 0.40% | % 1.7 | 2.76 % |
أخرى | 2% | 1.6 % | 0.4 % | 0.59% | 2.02% |
هذه الإحصائيات تشير بكل وضوح إلى أن القطاع النفطي يمثل المركز الرئيسي للاستثمار، وهذا المجال لا يحقق التنمية الاقتصادية الفعلية لليمن والذي نأمله من الحكومة تدارك ذلك، والاعتماد على النفط كمحطة انطلاق لتهيئة البنية التحتية، والصناعية، والإنتاجية، باعتبار أن القوة الاقتصادية لأي بلد تتمثل في زيادة الصادرات الصناعية والإنتاجية، باعتبارها تمكن من خلق مناصب الشغل، وتساهم في تنفيذ المشاريع الاقتصادية المبرمجة في مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية[63] .