الدستور المغربي : المستجدات وحصيلة التفعيل - حسن طارق
انطلقت مرحلة النقاش العمومي حول الإصاح الدستوري لسنة 2011 بعد
سقوط نظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي 1 وخروج "حركة 20
فبراير" في المغرب 2 مطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية عجلت
بخطاب ملكي في التاسع من مارس سنة 2011 برهن على التفاعل السريع
مع احتجاجات الشارع المغربي، وفَتح المجال للإصاح الدستوري.
وفي هذا السياق، عيَّن الملك لجنة استشارية، الغَرض منها الإصغاء والتشاور مع
المنظمات الحزبية والنقابية ومع الفعاليات الشبابية والجمعوية والفكرية والعلمية
المؤهلة وتلقي تصوراتها بشأن مراجعة الدستور؛ لترفع إلى الملك حصيلة أعمالها؛
حيث استقبلت اللجنة الاستشارية أغلب الأحزاب السياسية والنقابات المهنية وعددا غير
قليل من مكونات المجتمع من خال اعتمادها على المُقاربة التشاركية التي كانت مبنية
بالأساس على هاجس امتصاص الغضب الشعبي.
لقد شكل سياق تبلور دستور 2011 ، انعطافة حاسمة في مسار "النموذج المغربي
للإصاح"، الذي تكرس منذ بداية الألفية الثالثة، وهو نموذج، تأسس على نجاح الدولة
في تحويل النقاش من الإطار الماكرو سياسي، إلى إطارات جزئية: القضاء، الجهوية،
التنمية البشرية، حقوق الإنسان... ثم الانطاق من خطاب الإصاح كمرجعية واضحة
للسياسات العمومية مع الحرص على إعطائه أبعادا أكثر تقنية وأقل تسيسا، حيث
يختزل في ما سمى بالحكامة مما جعل خيار التحديث ينتصر على خيار الدمقرطة...
وأخيرا ارتكز هذا النموذج على تحكم الدولة في أجندة الإصلاح عبر "تأميمها" لإيديولوجيا
الإصاح التي أصبحت جزءا من المشترك العمومي، مما كسر احتكارية الحقل الحزبي
لإنتاج مطالب الإصاح، خاصة مع قدرة الدولة على بلورة مرجعيات حديثة للإصاح
)تقرير الإنصاف والمصالحة، تقرير الخمسينية...( بل ونجاحها في عملية "اختصار دورة
المطالب" حيث لم تبقى الدولة أسيرة لمطالب المجتمع والأحزاب بقدرما خلقت آليات
مؤسسية وموضوعاتية لإنتاج المطالب والتوصيات وتشغيل "التغدية الذاتية" للنظام
السياسي.
لكن هذا النموذج تبينت محدوديته مع آثار الحراك الإقليمي الذي انطلق في عام
2011 وشكلت دينامية 20 فبراير امتداده المغربي، خاصة باعتبارها طلبا مكثفا على
السياسة وعلى الإصاح الدستوري الشامل، وبقراءتها كلحظة حاملة لمعادلة جديدة
للإصاح السياسي والدستوري، معادلة تتجاوز "المحاورة الثنائية" التي ظلت تطبع
ملف الإصلاحات المؤسساتية، بين الأحزاب وبين الدولة، مما يطرح السؤال حول حدود
التحولات العميقة في النسيج الاجتماعي وهل توحي بمياد، ما يسميه بعض الباحثين،
مجتمع المواطنين القادر على التعبير الذاتي عن مطالبه دون الحاجة إلى المرور الحتمي
عن طريق الوساطات "التقليدية" خاصة مع التوفر على إمكانيات ولوج سهل إلى
"الفضاء العمومي".
إن سياق دستور 2011 ، لا يرتبط فقط بعودة الإشكالية الدستورية إلى الواجهة كعقدة
مركزية لأي إصاح، وبالحاجة إلى إصاح "السياسة" و"المؤسسات"، ولكنه يرتبط
بالعمق المجتمعي الذي انطلقت منه المطالب الدستورية وبدور الشارع في احتضان
هذه المطالب، ثم باتساع غير مسبوق لدائرة الحوار العمومي حول قضايا الدستور.
لاشك أن هذه الشروط التاريخية التي أطرت مسلسل بلورة دستور 2011 ، قد انعكست
بالضرورة على طبيعة هذه الوثيقة، فعمق المطالب الدستورية والطريقة التي قدمت
بها، والخلفية الإقليمية الضاغطة، جعلت موضوع ومضمون الإصاح الدستوري ينتقل
من دائرة ضبط التوازن بين البرلمان والحكومة، إلى دائرة أكثر أهمية وهي توزيع
الصلاحيات داخل السلطة التنفيذية، ومن جهة اخرى أدى انفتاح الحوار العمومي حول
المراجعة الدستورية، على المجتمع المدني والحركة الجمعوية إلى صياغة دستور لا تعتبر
السلطة والمؤسسات هاجسه الوحيد، بقدر ما يجسد كذلك دستورا للمواطنة وللحقوق.
أما مرحلة ما بعد دخول دستور 2011 حيز التنفيذ، فقد كانت مطبوعة بالجدل السياسي
حول تفعيل وتأويل نصوص الدستور واحترام روحه؛ حيث خَيم نقاش سياسي داخل
المشهد السياسي المغربي يرفع شعار تفعيل الدستور، استخدمته الحكومة لبناء وشَرعنة
برامجها وسياستها العمومية والقطاعية، كما أن المعارضة البرلمانية اعتمدت في جزء من
استراتيجيتها وخطاباتها على مسألة الضغط على الحكومة وتحميلها مسؤولية التماطل
في تفعيل الدستور، وتأثرت هذه المرحلة بالسياق الاحتجاجي والسياسي للدول العربية،
مما جعل إعمال وتأويل الدستور في المغرب يتأرجح بين النفس الديمقراطي والتفسير
السلطوي.
لكن الواقع أن مرحلة الاختبار الحقيقي للدستور ووضع مقتضياته أمام محك الممارسة
بعد نهاية الولاية التشريعية الأولى التي تلت دخول الدستور حيز التنفيذ، وتنظيم
انتخابات تشريعية في السابع من أكتوبر من سنة 2016 لفرز حكومة جديدة، حيث عرفت
هذه المرحلة بروز العديد من الإشكالات والأسئلة الدستورية والسياسية التي أفرزتها
بعض البياضات والفراغات الدستورية وتميزت هذه المرحلة بسيادة نقاش عمومي
سياسي/إعلامي يبحث على حلول سريعة وعلى إجابات شبه جاهزة في الدستور لكل
الإشكالات الدستورية والسياسية بما فيها القضايا التي لا علاقة لها بالنص الدستوري.
وبناء على هذا التقديم، تسعى هذه الدراسة إلى تحليل أربعة محاور متقاطعة وذات
العلاقة بأهم المستجدات التي عرفتها الوثيقة الدستورية لسنة 2011 ، من خال
استثمار المفاتيح الأساسية التي قمنا بتطويرها في كتابات سابقة، خاصة منها ما
يتعلق بالتوترات المهيكلة للدستور المغربي، وأساسا للتوتر"الاستراتيجي" الحاصل بين
القراءتين البرلمانية والرئاسية، ثم أساسا من خال تمحيص فرضيتين مركزيتين.
تتعلق الفرضية الأولى: بمدى استيعاب الدستور المغربي لضمانات حقوق الأفراد
وتدعيم حقوق المعارضة البرلمانية وإرساء قضاء دستوري مستقل قادر على حماية
الحقوق الدستورية وضبط التوازن بين السلطات وإقرار تنظيم محلي يعطي اختصاصات
للجماعات الترابية.
وترتبط الفرضية الثانية: بتقييم الممارسة الواقعية للمستجدات الدستورية، ومدى تفعيل
التطورات الدستورية ذات الصلة بحقوق الأفراد وبضمانات المعارضة وباستقلالية القضاء
الدستوري وتماسك التنظيم المحلي.
وارتباطا بالفرضيات المومأ إليها أعاه، يمكن طرح الأسئلة التالية: كيف تمثلت وتصورت
النخب السياسية هذه التحولات الدستورية؟ وهل نجحت في تفعيلها على مستوى
الممارسة العملية؟ أم ظلت وفية للثقافة الدستورية والسياسية لمرحلة ما قبل
دستور 2011 ؟ وهل استطاعت المؤسسات التمثيلية مواكبة ومسايرة فلسفة المشرع
الدستوري التي تشكل امتدادا لدساتير ما بعد "انفجارات" 2011 ؟ أم تأثرت بالتحولات
والارتدادات التي عرفتها العديد من الدول العربية نتيجة تراجع النفس الاحتجاجي وتعقد
مسار الانتقال السلمي السلس في بعض الأنظمة السياسية العربية.
ولتفكيك وتحليل الفرضيتين المشار إليها أعاه، وللإجابة على الأسئلة السابق ذكرها،
سيتم الاعتماد على الخطاطة المنهجية التالية:
1 .1 الحماية ا لدستورية للحقوق ا لفردية بين ا ل قتدم ا لدستور يوضعف ا لملاءمة
التشريعية وال نتظ يمية.
2 .2 المعارضة ا لبرلمانية في ا لدستور ا لمغربي: ا لتحول وحدوده
3 .3 القضاء ا لدستور يبين ا لتأويل ا لرئاسي والتأويل ا لبرلماني
4 .4 تحولات ا ل نتظ ا ميلدستور يللسلطات ا لمح يلة
يمكنكم تحميل الكتاب